أثنى الله تعالى على الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، ووصف المجاهدين فقال تعالى: ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) وندب إلى جهاد الأعداء ووعد عليه أفضل الجزاء. وامتدح النبي صلى الله عليه وسلم حسن المكيدة والرأي في الحرب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحرب خدعة ). والله يحب دماء الشهيد التي تسيل في سبيل الله، قال صلى الله عليه وسلم ( ما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف ليل من خشيته ) . بل صور الجنة بأنها قريبة جدا من المجاهدين يرونها رأي العين فهي تحت سيوفهم، فقد رجل عبد الله بن قيس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الجنة تحت ظلال السيوف) ، فقال: يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه، فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه، فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل. واعتبر أبو بكر وهو صاحب رسول الله أن الذي يجتهد ويطلب الموت يحفظه الله فقد كتب أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد: اعلم أن عليك عيوناً من الله ترعاك وتراك، فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك السلامة، ولا تغسل الشهداء من دمائهم، فإن دم الشهيد يكون له نوراً يوم القيامة. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتهينا إلى خيبر: ( الله أكبر خربت خيبرانا، إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ). ومجرد شهود المعركة أو الذهاب إليها بنية الجهاد في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها ، فعن أنس عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها).
وبمجرد استشهاد المسلم فإن روحه تنتقل إلى الجنة، فعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل). حتى أن المسلم الصادق قد يشم رائحة الجنة وهو في أرض المعركة قبل استشاهده، فها هو أنس بن النضر عم أنس بن مالك لم يشهد بدراً، فلم يزل متحسراً يقول: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبت عنه، فلما كان يوم أحد قال: واها لريح الجنة دون أحد. فقاتل حتى قتل، فوجد في بدنه بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته الربيع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه. وأما المرابط وهو الذي يبقى في مكانه حارسا لموقعه وينتظر لقاء عدوه فلا يزال أجره مكتوبا إلى يوم القيامة ولا يجد فزعا في قبره، فعن فضالة بنت عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتنة القبر ).
والمهم في ذلك النية الصادقة، فالله تعالى يعطي منزلة الشهيد لمن مات على فراشه إن كان يسأل الشهادة بصدق، فعن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) . فنسأل الله أن يرزقنا الشهادة، وأن يحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها.