تتنوع أشكال الإحتكاك والتفاعل ما بين الأمم والشعوب المختلفة ، وتتعدد صور التواصل ما بين الأخذ والعطاء والتأزم والإنفراج.. وفقا لما تقتضيه مصالح هذه الأمم والشعوب...ونزولا عند قانون القوة الطاغية والجبروت الفاحش الذي تعتمده قوى الإستكبار العالمية ، والذي لا تضبطه اعراف حميدة ولا قيم سامية...!!! لكن ان يصل الأمر الى فرض حصار قاس على شعب مغلوب على أمره وقد تقطعت به سبل الحياة لأمر يدعو للحيرة والتفكر.. بيد أن هذه الحيرة تزداد ولا شك عندما نعلم ان من يفرض هذا الحصار هي قوى كبرى عالمية وتتواطؤ عليه أخرى إقليمية ومحلية...
فمواجهة الشعب الفلسطيني المقهور بهذا الحصار له دلائل كثيرة أهمها بالنسبة لشعبنا بأنه بدأ بالفعل جهوده الحثيثة لاستعادة بوصلة طريقه الميمون محدداً منهجه الذي ينسجم وتطلعات وحقوق شعبنا ، وخاطاً مساره بعد ما يقرب من العقد والنصف من التخبط والتيه والإرتهان لإرادة العدو ومصلحته... أما بالنسبة للقوى الفارضة للحصارفسلوكها العدواني الإستباقي هو بمثابة إقرار بخطورة أن تتحول قيادة الشعب الفلسطيني وطليعته من قوة شكلية ترتبط بوجود الإحتلال وتسهر على أمنه وسلامته ..إلى قوة تمثل ندا حقيقيا لهذا العدو وتتناقض معه في الصغيرة والكبيرة وتسعى جاهدة لفضحه وكشف عدوانه ومؤامراته.. ولذلك فهم جادون لإحباط المساعي الحميدة التي تهدف إلى إكمال مشروع التحولات وما يحمله من خسائر ونكسات لمشروعهم العدواني ...
غير أن هذا الحصار يؤثر في اتجاهات متعاكسة ويلقي بظلاله وتداعياته في ساحات كثيرة ،، وأهما بلا ريب ساحة أرباب الحصار والقائمين عليه.. وهو مالا يدركه هؤلاء الظالمين وسوف لن يدركوه إلا بعد فوات الأوان ..!! فدعاوى القوة الزائفة وما يتوهمونه من العظمة والقدرة على رسم خارطة للمسير من جانب واحد ..هي التي أعمتهم عن رؤية الحقيقة على هيأتها ..!! ففرضهم للحصار يوفر شاهدا على فشلهم في قراءة من يحاصرونهم ،،وافتقارهم للقدرة على تحليل نفسيات من يخضعون للحصار.. ولا استيعاب المخزون الهائل للصبر والجلد والثبات التي يتحلى بها شعبنا ،، ولا حتى المصادر التي يستلهم منها هذا الشعب المكافح هذه المعاني الكبيرة..والقيم العظيمة..!!
ففرض الحصار ليكون حكما وفيصلاً بين جانبين بينهما إختلالات عظمى في موازين القوى وامتلاك عوامل القدرة ووسائل التمكين.. ليشير بشكل واضح إلى شح في قائمة الخيارات ، ونضوب في لائحة البدائل التي بات هؤلاء يمتلكونها في محاولاتهم تركيع شعبنا الأبي.. فأعداء الشعوب المقهورة اعتادوا استخدام أساليب التهديد والوعيد لإملاء سياساتهم ومطالبهم ,, ولما لم يجدوا هرولة باتجاه تنفيذ مطالبهم الظالمة من جانب القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني رافعة لواء صناعة التحولات المباركة.. لجؤوا إلى تشديد الحصار المفروض أصلا في خطوة تعكس _في أحد أوجهها_ محاولة يائسة لاسترجاع قدر من كرامتهم المهدورة وماء وجوههم المراق أمام ثبات وتجذر شعبنا خلف مبادئه ومطالبه العادلة .. وعدم التفاته البتة للتهديد والوعيد متعدد الأوجه والجوانب..!!
والنتيجة الحتمية لهذا التمادي الدولي باتجاه إذلال شعبنا والإصرار على محاصرته ورفض القبول بخياراته والإستماع الى تطلعاته... سيكون بلا شك بمثابة تكرار للولوج في ذات المنزلق الذي وقعوا فيه باديء الامر يوم أن رفضوا التعاطي مع الخيار الحر الذي أفرزه شعبنا بكل شفافية ونزاهة.. ولن يجنوا من إصرارهم المجنون هذا سوى حرق المزيد والمزيد من أوراق القوة التي لوحوا بها كثيرا في وجوه الشعوب المقهورة ليمارسوا بحقها مزيدا من القهر والإذلال والمساومات..!!
فإذا كانوا يمارسون حصار غزة حقيقة وهي كذلك .. فإن غزة تحاصرهم ، وتعري زيفهم وتكشف كذبهم وتجلي حقيقتهم المعادية لحرية الشعوب المقهورة..!!
هم يمنعون عن غزة الدواء والغذاء والكساء ... وغزة تميط في كل لحظة اللثام عن وجوههم القبيحة في العالمين..!!أهل غزة يستشعرون العزة والاباء لأنهم أصحاب حق وأصحاب قضية .. فضلا عن توطينهم النفس والولد للصبر والمصابرة.. وأصحاب الحصار سيكتشفون إن عاجلا أو آجلا أن حصارهم الظالم سيكلفهم أكثر بكثير مما سيتكلفه شعبنا في غزة ولو عميت قلوبهم الآن..!!
وإذا كانت الرغبات المحمومة لتأليب الشعب الفلسطيني ضد من يرفعون لواء حقوقه وآماله حاضرة بقوة ووضوح في أذهان دهاقنة الحصار ومنفذيه .. فإن الإلتفاف الجماهيري غير المسبوق حول حماس وبرنامجها وهو ما بدى جليا في احتفاليتها في ذكرى انطلاقتها العشرين... ستتحول وبالاً وحسرات .. بل وكابوسا ضاغطا على مهندسي الحصار لكي يعيدوا الحسابات من جديد ،، وليفتحوا ابصارهم على الآفاق الرحبة التي باتت مشحونة بأندادهم الحقيقيين..!!